في خضمّ تحوّلات سريعة في صناعة الألعاب، برزت شركة EA كمثال صارخ على التوترات الداخلية عند تبنّي الذكاء الاصطناعي (AI). التقرير الأخير من Business Insider يكشف “انقساماً” بين قيادة الشركة التي تدفع نحو استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في كل زاوية من الإنتاج، والموظفين الذين يعبّرون عن مخاوف جوهرية — من فقدان الوظائف إلى تراجع الجودة الإبداعية. (Business Insider) لكنّ هذه التغطية، رغم أهميتها، تبقى سطحية في العديد من النواحي. في هذا المقال نغوص بعمق في الفجوات التي تحتاج إلى فتحها: ما هي الأدوات المستخدمة؟ كيف تُقاس نتائجها؟ ما الآثار القانونية؟ وما خطة إعادة تأهيل الموظفين؟ سنقدّم رؤى تحليلية مقترحة، بيانات تقديرية، وخريطة طريق عملية.
ما الذي كشفته الوثائق الداخلية فعلياً؟
تقارير Business Insider تكشف أن EA بدأت تشترط على موظفيها — بما في ذلك المطوّرين والمصمّمين ومديري الموارد البشرية — إكمال دورات تدريبية في AI، واستخدام أدوات داخلية لتوليد الأكواد أو الحوارات مع الموظفين. مثلاً، أحد «البروتوكولات» الداخليّة يوجّه مديراً في الشركة كيف يناقش مع موظف “أداؤه لا يحقق النتائج…” عبر مساعد AI. (Business Insider) كما تشير الشركة في ملفها الرسمي للرقابة المالية (10-K) إلى أن “استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي قد يطرح قضايا اجتماعية وأخلاقية يمكن أن تؤدّي إلى أضرار قانونية أو سمعة”. (Business Insider) لكن: المصادر لا تكشف أسماءاً تفصيليّة للأدوات المستخدمة، ولا تتناول كيفية قياس نتائجها، ولا تضع جدولاً زمنياً واضحاً للتنفيذ.
أدوات الذكاء الاصطناعي: ما نعرفه وما لا نعرفه
ما نعرفه
في تصريحات سابقة، صرّح Andrew Wilson (مدير تنفيذي في EA) بأن الشركة لديها «أكثر من 100 مشروع نشط للذكاء الاصطناعي/التعلّم الآلي» في فئات «الكفاءة، التوسّع، والتحوّل». كما أفاد بأن أكثر من 50 % من عمليات التطوير قد تتأثّر إيجابيّاً من AI.
ما لا نعرفه (الفجوات)
- أسماء الأدوات والمزوّدين: المصادر لا تكشف ما إذا كانت الأدوات مبنيّة داخلية بالكامل، أو خليط من مكتبات مفتوحة المصدر، أو التعاون مع مزوّدي AI خارجيّين.
- ما هي المهام المعنيّة؟ هل هي توليد الأكواد؟ تصميم المستويات؟ الحوار داخل اللعبة؟ دعم العملاء؟
- المخرجات والمقاييس (output metrics): لا توجد أرقام واضحة عن كمّية العمل التي تمّ تسريعها أو الأخطاء المخفَّضة أو التكلفة المخفّضة.
- معدّل الأخطاء أو “الهلاوس” (hallucinations): موظفون ذكروا أن الأدوات تنتج كوداً خاطئاً أو مخرجات تحتاج تصحيحاً يدوياً.
- الحقوق الفكرية والتدريب على بيانات الموظفين: هل يُستخدم عمل الموظفين لتدريب النماذج؟ وما تبعات ذلك القانونية؟
كيف تقيس EA فعاليّة الذكاء الاصطناعي؟ مؤشرات مقترحة
لكي تكون سياسة التبني قابلة للقياس، نقترح مؤشرات عملية قابلة للمراجعة:
- نسبة المهام التي تحوّلت إلى AI (%) — مثلاً: 30 % من مهام الـQA أو أجزاء من عملية التطوير.
- زمن التطوير (Time to market) — قياس الفترة قبل وبعد دمج AI في مراحل محددة.
- نسبة الأخطاء بعد دمج AI — معدل البغات (bugs) والتعديلات المطلوبة مقارنة بالمرحلة السابقة.
- الإنفاق على التعهيد الخارجي مقابل داخل الشركة — مقارنة التكاليف قبل وبعد.
- رضا الموظفين (Employee sentiment score) — مسح دوري يقيس الأمان الوظيفي والرضا الإبداعي.
جانب الموظفين والمقاومة الداخلية: الأصوات التي لم تُسمع بالكامل
بينما تبرز بعض التصريحات، لا تزال الأصوات متعددة الزوايا أقلّ ظهوراً:
- مصمّمو الفن/المستويات: تمثّلهم المقالات بذكر “خوف من الاستبدال” لكن دون شرح كيف يمكن إعادة تأهيلهم عملياً.
- موظفو QA: قِلّة بيانات حول تأثير التغييرات على جودة المنتج وفرص التوظيف.
- مديرو الموارد البشرية: لا توجد تغطية كافية لكيفية تغير مهامهم في تقييم الأداء أو التوظيف.
- الموظفون التنفيذيون: بعضهم يشعر أن AI قد يزيد عبء العمل الإداري بدلاً من تخفيفه.
البُعد القانوني والحقوق الفكرية: لماذا هذا مهم؟
الأسئلة القانونية لا يجب تجاهلها:
- من يملك مخرجات AI؟ إذا تُدرّبت النماذج على بيانات داخلية، فما حق الموظف في الملكية؟
- التدريب على عمل الموظفين: هل هناك تعويض أو موافقة صريحة في العقود؟
- حقوق النشر والاعتراف بالمبدعين: عند إنتاج حوار أو شخصية عبر AI من يدرج ككاتب أو مصمّم؟
- التنظيم والنقابات: هل هناك آليات نقابية لمراقبة الاستخدام؟
إعادة التأهيل والتدريب: كيف يمكن للشركة أن تحافظ على المواهب؟
الاستثمار في تطوير الناس هو استثمار في نجاح أي تبنٍ للـAI. نقترح:
- خطة تدريب نموذجية: دورات + ورش تطبيقية + مشاريع عملية.
- تقييم ما بعد التدريب: قياس معدل الاستخدام، الرضا، وتقليل الأخطاء.
- تحويل الأدوار: من التنفيذ اليدوي إلى إشراف ومراجعة مخرجات AI.
- وضع مسارات مهنية جديدة: مثلاً فنان → مشرف محتوى AI → محلّل جودة.
تأثير الذكاء الاصطناعي على جودة الألعاب وتجربة المستخدم
من المخاطر الواضحة:
- الحوار والمحتوى القصصي: محتوى آلي دون إشراف قد يصبح نمطياً أو تكرارياً.
- الفنون والمستويات: فقدان التفرد الإبداعي إذا اعتمدنا كلياً على التوليد الآلي.
- هلاوس AI: مخرجات خاطئة تتطلب مراجعة كبيرة يدويًا.
- اختبارات الجودة (QA): ضرورة الحفاظ على اختبارات بشرية أو آلية متقدمة لضمان تجربة لاعب سليمة.
خارطة الطريق لتبني AI داخل استوديو ألعاب
نموذج تنفيذي مُقترح:
Pilot (6–12 شهر)
- اختيار مشروع صغير لاختبار الأداة.
- تحديد KPI: زمن التطوير، عدد الأخطاء، تكلفة الموارد.
- إشراك موظفين مختارين وتجميع ملاحظاتهم.
Scale (12–24 شهر)
- توسيع الاستخدام إلى فرق أكثر.
- تفعيل سياسات حوكمة: ملكية الإخراج، سجلات استدعاء النماذج، سياسات السحب.
- تفعيل برامج إعادة التأهيل.
Governance (24+ شهر)
- إنشاء وحدة “AI Governance Office”.
- مراجعة سنوية للاستراتيجية والأثر على الموظفين والجودة.
- شفافية أمام اللاعبين والمستثمرين في استخدام AI.
التأثير المالي وضغوط المستثمرين
الربط بين دوافع الإدارة والجانب المالي أساسي لفهم القرارات:
- توقّع المستثمرين لتوفير التكاليف يدفع الشركات لتسريع الاعتماد.
- خفض التكاليف مقابل مخاطر فقدان الإيرادات إن تأثّرت جودة المنتج أو سمعة العلامة.
- حاجة الشركات لتقييم سيناريوهات رقمية بسيطة لقياس تأثير الحفظ على الربحية قبل التوسع.
توصيات عملية: ماذا يجب أن يفعل الـ HR، ومدير المنتج، والمهندس اليوم؟
للـ HR
- مراجعة عقود العمل: وضوح في بنود استخدام العمل لتدريب النماذج أو تعويضات مضمنة.
- إطلاق مسح داخلي لقياس مستوى القلق والرضا.
- إعداد برنامج إعادة تأهيل بأهداف ومقاييس أداء واضحة.
للمدير المنتج
- ابدأ بمهام متكررة ومناسبة للـAI قبل توسعة الاستخدام إلى الجزء الإبداعي الحساس.
- اجعل المخرجات الآلية تمرّ عبر مراجعة بشرية إلزامية.
- نظم Pilot واضح بقياسات ونتائج قابلة للقياس.
للمهندس والمصمم
- اعتبر الأدوات فرصة لتطوير مهاراتك: التعلم وكيفية الإشراف على مخرجات AI.
- دوّن حالات "الهلاوس" وشاركها لتطوير الأدوات وتقليل الأخطاء.
- احتفظ بسجلات لعملك الأصلي للأغراض القانونية والمراجعة.
الأسئلة الشائعة
هل يمكن أن يحل الذكاء الاصطناعي محل مطوري الألعاب في المستقبل؟
من غير المرجح أن يحل الذكاء الاصطناعي محل مطوري الألعاب بشكل كامل، لكنه سيغير طبيعة عملهم. سيصبح دورهم أكثر إشرافًا وابتكارًا بدلاً من التنفيذ اليدوي.
ما أبرز إيجابيات استخدام الذكاء الاصطناعي في صناعة الألعاب؟
يساعد الذكاء الاصطناعي في تسريع تطوير الألعاب، وتحسين الواقعية في سلوك الشخصيات، وتخصيص تجربة اللعب لكل مستخدم.
ما أبرز المخاوف من الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الألعاب؟
أبرز المخاوف تتمثل في فقدان الهوية الإبداعية، واحتمال إنتاج محتوى متشابه أو غير أصيل، إضافة إلى تسريح بعض العاملين في المجال.
هل تستخدم شركات الألعاب الكبرى مثل EA الذكاء الاصطناعي حاليًا؟
نعم، العديد من الشركات مثل EA وUbisoft وActivision بدأت تعتمد على أدوات AI في مراحل التصميم، كتابة النصوص، وتحليل سلوك اللاعبين.
رأينا في AI-العربي
من وجهة نظرنا في AI-العربي، ما يحدث داخل شركة EA يعكس الصراع الحقيقي الذي ستواجهه كل الصناعات الإبداعية خلال العقد القادم. الذكاء الاصطناعي ليس تهديدًا بقدر ما هو أداة ثورية، لكن طريقة دمجه هي التي تحدد النتيجة. نحن نرى أن الحل يكمن في التعاون بين المبدعين والتقنيين، وليس في استبدال أحدهما بالآخر. الألعاب التي ستحقق النجاح مستقبلاً ستكون تلك التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لتعزيز الإبداع البشري، لا لتجاوزه.
هذا الجدل داخل شركة EA ليس حالة معزولة، بل يعكس واقعًا عالميًا أوسع. فالكثير من الصناعات تشهد اليوم جدلاً مشابهًا حول ما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيقضي على وظائف البشر أم سيخلق فرصًا جديدة. للتعمق أكثر في هذا الجانب، يمكنك قراءة مقالنا هل سيلغي الذكاء الاصطناعي عملك أم يخلق فرصًا جديدة؟.
خاتمة
إنّ انقسام EA حول الذكاء الاصطناعي ليس مجرد خبر صناعي؛ إنه نافذة على كيفية تعامل الشركات الكبرى مع التحوّل الرقمي، وكيف يمكن للموظفين، للمبدعين، وللاعبين أن يتأثّروا. بدمج التحليل التقني، القانوني، المالي، والبشري، يصبح لنا سيناريو أكثر تكاملاً لفهم “كيف يمكن أن يُستخدم الذكاء الاصطناعي في صناعة الألعاب بشكل مسؤول وفعّال”. المقال هنا لا يكتفي بتلخيص الأخبار؛ بل يقدّم خارطة طريق عملية لمن يريد فهم هذا التحوّل والمشاركة في ضبطه.
